يقول جاسم العزاوي في مقاله على ميدل إيست مونيتور، إن الضربة الأمريكية الأخيرة ضد منشآت نووية إيرانية لم تعتمد على أدلة موثقة، بل على توقعات أطلقتها خوارزميات ذكاء اصطناعي. وراء صخب صواريخ "توماهوك" وقنابل الاختراق الثقيلة، تكمن رواية أكثر خطورة: حرب استندت إلى تخمين آلي لا إلى معلومات استخباراتية موثوقة.
في قلب الأزمة تبرز "موزاييك"، وهو نظام ذكاء اصطناعي طوّرته شركة "بالانتير" واستخدمته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعدما استخدم سابقًا في عمليات مكافحة الإرهاب في العراق وأفغانستان. يحلل هذا النظام مئات الملايين من البيانات – من منشورات إلى تحركات – لبناء تصوّر حول "نية" محتملة، دون إثبات فعلي، تمامًا كما يفعل نظام "لافندر" الإسرائيلي الذي يرشّح أهدافًا بشرية بناء على روابط مزعومة مع حماس.
خلال الفترة بين 6 و12 يونيو، أشار "موزاييك" إلى وجود نشاط نووي غير اعتيادي في مواقع إيرانية مثل منشأة فوردو، وزعم أن إيران توشك على امتلاك ما يصل إلى خمس قنابل نووية. هذه الاستنتاجات نُقلت في تقارير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتلقّفها حلفاء غربيون باعتبارها دليلاً حاسمًا، رغم أنها مبنية على ترجيحات رقمية لا على وقائع.
رفضت طهران وموسكو هذه المعلومات، بينما اضطر مدير الوكالة رافائيل غروسي إلى الاعتراف بغياب أي دليل ملموس على سعي إيران لصنع سلاح نووي. لكن الضربة الأمريكية نُفذت بالفعل، ونجح صناع القرار في تشكيل سردية مبررة للعدوان، رغم أن مجتمع الاستخبارات نفسه لم يكن متفقًا معها.
صرحت تولسي جابارد، النائبة الأمريكية السابقة والمديرة الحالية للاستخبارات في إدارة ترامب، بعدم وجود مؤشرات على أن إيران سعت لسلاح نووي منذ فتوى خامنئي عام 2002. إلا أن ترامب تجاهل هذا التقييم، واعتمد على مصادر "مدارة وموجّهة"، تظهر فيها بصمات إسرائيلية واضحة عبر تقارير صادرة عن نظام موزاييك.
الضربة، رغم رمزيتها، أحدثت ضررًا محدودًا. إيران توقعت الهجوم وسبق أن نقلت موادها الحساسة. ولكن الحسابات الأمريكية والإسرائيلية كانت خاطئة، فقد توقعتا أن الضربة ستشعل "ثورة ألوان" في إيران على غرار البدايات السورية، عبر إرباك القيادة وتفكيك المعنويات. ما حدث كان العكس: التفّ الإيرانيون حول قيادتهم، وتعزز التنسيق مع موسكو وبكين.
سافر وزير الخارجية الإيراني إلى موسكو فورًا، في مؤشر على إعادة ضبط محور طهران–موسكو–بكين. ومع انشغال روسيا في أوكرانيا، يظهر دعم محتمل من الصين وكوريا الشمالية، خاصة بعد معلومات عن دورهما في تطوير أجهزة الطرد المركزي الإيرانية.
في المقابل، غيّرت واشنطن وتل أبيب تكتيكاتهما: تستخدمان شاحنات مدنية لإطلاق أسراب من الطائرات المسيرة داخل إيران، بعضها ينطلق من أذربيجان، والبعض الآخر يُعتقد أن منظمة مجاهدي خلق تشغّله بالتنسيق مع الاستخبارات الإسرائيلية.
هذا النموذج الهجين – الذي يجمع بين الحرب السيبرانية، والاستهداف القائم على الذكاء الاصطناعي، والعمليات السرية – يكشف خللًا جوهريًا في تصور الغرب لتغيير الأنظمة. الاعتماد على الضربات المحدودة والتفوق التكنولوجي لإسقاط الحكومات بات رؤية بعيدة عن الواقع.
تدرس إيران حاليًا استخدام تكتيكات مشابهة لما حدث في البحر الأحمر لتعطيل مضيق هرمز، ليس عبر الألغام، بل بإبطاء حركة السفن بما يكفي لرفع تكاليف التأمين وزعزعة الأسواق.
القصة تضع العالم أمام تحذير شديد: الإفراط في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي دون تحقق ميداني قد يشعل حروبًا كارثية. فاعتراف جروسي بعدم وجود "دليل ملموس" يعزز المخاوف بأن موزاييك لم يكتشف قنبلة، بل توقع احتمالها، ثم صُوّر الأمر كحقيقة مؤكدة.
الحرب الحالية لم تكن مغامرة عسكرية متهورة فحسب، بل نقلة خطيرة في كيفية تبرير الحروب وخوضها، حيث تُستبدل الحقائق المؤكدة بتوقعات إحصائية، والمعلومات الدقيقة بتخمينات رقمية. إذا كان الهدف هو الردع، فقد فشل. وإذا كانت النية إثارة ثورة، فقد جاءت النتائج عكسية. وإن كانت هذه هي صورة الحرب الجديدة، فإن الخسارة الحقيقية وقعت في ساحة أعمق: معركة الحقيقة.
https://www.middleeastmonitor.com/20250702-the-ai-mirage-how-artificial-intelligence-fueled-a-war-against-iran/